سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الّصّباح - حفظه الله ، أحد رجالات الحكم البارزين في تاريخ الكويت المعاصر الذين امتزجت رؤاهم السياسية والحضارية بمواقفهم الوطنية والقومية، واجتهدوا في سبيل تحقيق الغايات والأهداف التي التقت عليها إدارة الشعب الكويتي، التي انطلق منها ذلك التواصل الحميم بين أبناء الكويت من ناحية والأسرة الحاكمة من ناحية أخرى فأثمرت عمقاً في العلاقات وقوة في التماسك والتلاحم كشفت عنه وأكدته مرة بعد مرة مواقف مشتركة تجاه الكويت وما يتهددها من أطماع أو نوايا عدوانية .
لقد كان سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصّباح – حفظه الله طوال فترة عمله الرسمي والسياسي يعمل في تناغم وتوافق مع المغفور له الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح - طيب الله ثراه، وولي عهده سمو الشيخ سعد العبدلله السالم الصباح – حفظه الله، وكذلك مع من سبقهما في القيادة الحكيمة لدولة الكويت، وكانت تجمعهم روح الأسرة الواحدة التي كان مزاجها الحب للوطن وحماية استقلاله، والعمل على تحقيق الأمن والرخاء لشعبه .
وتجلى أثر ذلك واضحاً في نهج الذي اختطه صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح – حفظه الله مع مساعديه وأعوانه من رجالات الكويت البارزين الذين أسهموا بقسط وافر من محصول ثقافتهم وفكرهم وخبارتهم في إرساء قيم النهضة الحضارية للكويت ودعم مسيرتها نحو التنمية والارتقاء .
فقد ولد سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح - حفظه الله في الكويت عام 1928 م، وتلقى سموه دراسته الأولية في المدرسة المباركية، وهى أولى المدارس النظامية التي تأسست في الكويت في عام 1912 م، وذلك مع أقرانه الذين آلت إليهم فيما بعد القيادة السياسية للكويت، وكانوا عاملاً من عوامل نهضتها الحديثة، وكان من زملاء دراسته المغفور له الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح -طيب الله ثراه، والشيخ سعد العبدالله السالم الصباح - حفظه الله، والشيخ جابر العلي الصباح - طيب الله ثراه، وغيرهم من قادوا نهضة الكويت الحديثة .
وبعد تخرج سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح - حفظه الله من المدرسة المباركية، عنى والده المغفور له الشيخ أحمد الجابر الصباح - طيب الله ثراه، بتثقيفه ثقافة عالية على أيدي أساتذة خصوصيين استقدمهم لأجله .
وحين بدأ يشب عن الطوق أوفده والده إلى العديد من الدول من أجل الدراسة واكتساب بعض الخبرات والمهارات السياسية .وقد استطاع سموه من خلال تلك الزيارات التي قام بها إلى العديد من الدول الآسيوية والأوربية والأمريكية، التعرف على أنظمتها والاطلاع على شؤونها . كما منحته تلك الزيارات فرصة التعرف على سير الأمور العامة في البلدان التي زارها .
وحين تولى المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصّباح - طيب الله ثراه، مقاليد الحكم في الكويت عام 1950 من كان حريصاً على أن يصطحبه معه في العديد من رحلاته وزياراته الرسمية وشبه الرسمية، وقد استطاع كذلك من خلالها اكتساب مزيد من الخبرات التي أهلته لتحمّل المسؤليات . وبالإضافة إلى الرحلات الأجنبية اصطحبه الشيخ عبدالله السالم – طيب الله ثراه في رحلة بحرية خليجية في عام 1951 م، زار خلالها العديد من أقطار الخليج العربي منها عمان والبحرين وقطر ولم يكد سموه يتعدى سن العشرين من عمره حتى كان من بين طلائع الجيل الجديد من أبناء الكويت الذين اعتمد عليهم والده المغفورله الشيخ أحمد الجابرالصباح - طيب الله ثراه، ومن بعده المغفور له الشيخ عبدالله السالم في بناء دولة الكويت الحديثة .
قيادته ... إن ما تحلى به سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح - حفظه الله من سمات شخصية متميزة كان لها أثرها الكبير فيما حققه سموه من نجاح حين أسندت إليه العديد من المناصب العامة، كما استطاع حين تولى منصب وزير الخارجية أن يحقق للكويت مكانتها الدولية وأن يبرز شخصيتها خارج حدودها عربياً وإقليمياً ودولياً، وساعد على ذلك ما تميز به من دماثة خلق ومن روح فتية طموحة انعكس من خلالها وجه الكويت المشرق، ومن المميزات الشخصية لسموه أنه كان يؤمن أن الحوار هو الأسلوب الأمثل لمعالجة المشكلات، ويحرص دائماً على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة حتى في ظل الظروف التي قد تبدو فيها كافة احتمالات الحوار وكأنها قد نفذت، وقد أثبت سموه في جميع المناصب التي تقلّدها كفاءة ومقدرة كبيرة في معالجة الشؤون الداخلية والخارجية للكويت، وذلك على الرغم من التحديات التي قدر له أن يواجهها .
فكره ... وعلى امتداد السنوات التي قضاها سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح - حفظه الله مشاركاً في القيادة السياسية للكويت من خلال وزارة الإرشاد والأنباء ( الإعلام ) كانت الكويت شغله الشاغل فوصل بصوتها المسموع وبكلماتها المقروءة وبصورتها المشرقة إلى شرق العالم وغربه، وحقق بذلك ما واكب النقلة الحضارية للكويت من تواصل مع العالم في المجالات الفكرية والثقافية والإعلامية إلى جانب ما أرساه في وطنه من دعائم العمل الاجتماعي والإعلامي والعناية بالبيئة وحرصه على نشر التراث وإحيائه .
جهوده ... ومن خلال السنوات الطويلة التي شغل فيها سموه منصب وزير خارجية دولة الكويت، كان حريصاً في تخطيطه لسياسة الكويت الخارجيةعلى ألا تكون تلك السياسة مرتبطة برغباته أو مزاجه الشخصي، بل بالتقاليد التي درجت عليها الكويت منذ نشأتها من حيث التوازن في علاقاتها الدولية، وبما ينسجم مع القرارات الخليجية والعربية الجماعية من أجل وحدة الصف الخليجي والعربي، دون المساس في الوقت نفسه بخصوصية السياسة الخارجية الكويتية .
ومما هو جدير بالذكر ما تميز به سموالشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح - حفظه الله من عقلية اقتصادية إلى جانب ما جبل عليه من مقدرة سياسية، حيث الارتباط الوثيق بين السياسة والاقتصاد، إذ يذكر له دوره في انضمام الكويت في عام 1966 م إلى الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية، أو ما يطلق عليها اختصاراً باتفاقية ( الجات GAT) . وبمقتضى انضمام الكويت إلى تلك الاتفاقية أصبحت في عام 1994 م عضواً في منظمة التجارة العالمية الحرة WTO\ ، بل صارت واحدة من مؤسسيها . كما كان لسموه دوره في تأسيس المجلس الوزاري المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول المجموعة الأوربية، الذي يهدف إلى توثيق الروابط الاقتصادية المشتركة بين الطرفين . ومن خلال ذلك المجلس تم إبرام العديد من الاتفاقيات الاقتصادية مع الكثير من دول هذه المجموعة وغيرها من الدول الأخرى . وفي اجتماعات مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية التي شارك فيها سموه كانت دعوته إلى حتمية إنشاء سوق خليجية وعربية مشتركة، وتأييده لإقامة منطقة تجارية عربية حرة . كما عمل على تشجيع إقامة المناطق التجارية الحرة بيت الكويت وغيرها من الدول، وقد افتتحت تحت رعايته المنطقة التجارية الحرة التي تم إنشاؤها في ميناء الشويخ في نوفمبر من عام 1999 م .
دبلوماسيته ... أما على مستوى السياسة الخارجية فقد ارتكز نجاح سموالشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح - حفظه الله – إلى حد كبير – على العلاقات الوثيقة التي أقامها مع نظرائه من وزراء الخارجية في العديد من الدول ومع الكثير من قادة العالم، أثبت دراية فائقة بفن التعامل والدبلوماسية، وساعدته على ذلك الخبرة والفصاحة والمقدرة السياسية التي جبل عليها . كما أهلته سمعته الطيبة على نجاحه في حسم العديد من النزاعات العربية والإقليمية . كما تمكن سموه من خلال مساعيه الحميدة واتلوساطات الدبلومسية التي قام بها من التعرف على عدة أجيال من زعماء العالم العربي وقادته بصفة خاصة ودول العالم بصفة عامة